وبالوالدين إحسانًا - 4 اكتوبر 2016

صحيفة المدينة

وبالوالدين إحسانًا - 4 اكتوبر 2016

2021-10-14    481

بعضُ ما يراهُ الإنسانُ في حياتِهِ يترك في نفسه آثارًا لا تُمحى.
منذُ أشهر قليلةٍ أكرمنا الله بافتتاح جامعٍ في الكعكيةِ باسم سيّدي الوالد رحمه الله، وفي يوم الافتتاح لاحظتُ رجلًا كبيرَ السنِّ وابنُهُ الشابّ يحملُهُ ويسندُهُ حتى استوى في الصفّ.
منظرٌ جميل بلاشكّ.. ولكنّ الذي هزّني من أعماقي ليس هو المنظر في حدّ ذاته!
لقد عادتْ بي الذكرى إلى زمنِ الطفولةِ في حارةِ (المسفلة)، حيثُ كنتُ أرى بعينيَّ في مسجد (مالم تعالا) وأنا صغيرٌ ذلك الشيخ الكبيرَ العاجزَ وابنُهُ الشابُّ يحملُهُ إلى المسجدِ ويقيمُهُ في الصفِّ.
أيضًا..
لم يكن تشابُهُ الموقفين هو الذي أثّر فيّ، ما أثَّر فيّ تأثيرًا بليغًا، هو أنَّ هذا الشيخ الكبيرَ الذي رأيتُ ولدَهُ يحملُهُ في جامع الكعكية منذ أيام، هو نفسُهُ ذلك الشابّ الفتيّ الذي كان يحملُ أباه إلى المسجد في زمن طفولتي!!
رأيتُ المشهدين بعيني، ولم يحدّثني أحدٌ.. فقلتُ: سبحانَ الله، كيفَ يُعجِّلُ الله جزاءَ البارِّ في الدنيا قبل الآخرة! لقد أكرمَ والدَهُ فأكرمه ولدُهُ، حفظ فيه وصيَّةَ القرآنِ، فحفظَ ولدُهُ فيه الوصيةَ ذاتها. (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاّ َتَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَن عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ّ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَة وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا).
تحتفظُ ذكرياتُ طفولتي كذلك بصورة أخرى على العكسِ من هذه.
كنتُ أشتري الشايَ والسكّر من أحد دكاكين (المسفلة- دحلة الولايا)، صاحبُ هذا الدكان رجلٌ كبيرٌ في السنِّ، وكان له ولدٌ عاقٌّ، وكثيرًا ما جئتُ للدكانِ -وأنا طفلٌ- فوجدتُ هذا الابنَ العاقّ يضربُ أباه أمام الناس ولا يبالي!
مرتِ الأيام.. وهُدمتْ معظم بيوتِ أهل (المسفلةِ) فتفرّقوا، وذهب كثيرٌ منهم إلى (الشوقية)، وذاتَ ليلةٍ قريبةٍ كنت جالسًا مع جارٍ عزيزٍ، وصديقٍ قديم، قال لي: «فاكر عم (...) اللي كان يضربُهُ ولده»؟ قلت: نعم، قال: زارني قبل أسبوعٍ رحيمي الذي يسكن في الشوقية، وأخبرني عن شابٍّ من جيرانهم يضربُ والده (الشايب)! ولا يستمع لنصح الناس. وحين دققتُ في التفاصيل اكتشفتُ أنّ هذا العجوز الذي يضربُهُ ولده ليس إلا ذلك الابن الذي كنّا نراه ونحن صغارٌ يضربُ أباهُ في الدكان!
بكيتُ وقتها ودمعتْ عيني، وقلت: لا إله إلا الله! ضربَ أباه أمام الناس فضربَهُ ولده أمام الناس جزاءً وفاقًا.
وصدقَ حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (كل الذنوب يؤخر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين فإن الله يعجله لصاحبه في الحياة قبل الممات) (الحاكم).
إنّ على شبابنا أن يدركوا أن (صورة مستقبلهم) مرهونةٌ بتعاملهم مع والديهم، فإن أحسنوا إليهم، وأكرموهم، وقاموا بحقهم، فعل بهم أبناؤهم ذلك، وفتح الله لهم أبواب الخير والبركةِ، وإن فعلوا عكس ذلك عرّضوا أنفسهم لسخطِ الله، ولعقوبة الدنيا والآخرة.


مشاركة :